الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ يَكُنْ لِمُؤْمِنٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي أَنْفُسِهِمْ قَضَاءً أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ أَمْرِهِمْ غَيْرَ الَّذِي قَضَى فِيهِمْ، وَيُخَالِفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَأَمْرَ رَسُولِهِ وَقَضَاءَهُمَا فَيَعْصُوهُمَا، وَمَنْ يُعْصَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَمَرَا أَوْ نَهَيَا {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} يَقُولُ: فَقَدْ جَارَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، وَسَلَكَ غَيْرَ سَبِيلِ الْهَدْيِ وَالرَّشَادِ. وَذُكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍحِينَ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَتَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَامْتَنَعَتْ مِنْ إِنْكَاحِهِ نَفْسَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} إِلَى آخَرَ الْآيَةِ، وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقَ يَخْطُبُ عَلَى فَتَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَدََخَلَ عَلَىزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ الْأَسْدِيَةِفَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: لَسْتُ بِنَاكِحَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَانْكِحِيهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُؤَمِّرُ فِي نَفْسِي، فَبَيْنَمَا هَمَّا يَتَحَدَّثَانِ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى رَسُولِهِ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} إِلَى قَوْلِهِ {ضَلَالًا مُبِينًا} قَالَتْ: قَدْ رَضِيتَهُ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مُنْكِحًا؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَتْ: إِذَنْ لَا أَعْصِي رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَنْكَحْتُهُ نَفْسِي». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) قَالَ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍوَكَرَاهَتُهَا نِكَاحَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ حِينَ أَمَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانَتْ بِنْتُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضِيَتْ وَرَأَتْ أَنَّهُ يَخْطُبُهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ يَخْطُبُهَا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَبَتْ وَأَنْكَرَتْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} قَالَ: فَتَابَعَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَضِيَتْ. حَدَّثَنِي أَبُو عَبِيدٍ الْوَصَّافِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمِيرٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍلِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَاسْتَنْكَفَتْ مِنْهُ وَقَالَتْ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ حَسَبًا وَكَانَتِ امْرَأَةً فِيهَا حِدَّةٌ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} الْآيَةَ كُلَّهَا. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِيأُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، قَالَ: نَزَلَتْ فِيأُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَتْ مِنْ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ مِنَ النِّسَاءِ، فَوَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَوَّجَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَسَخِطَتْ هِيَ وَأَخُوهَا، وَقَالَا إِنَّمَا أَرَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَنَا عَبْدَهُ. قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} إِلَى آخَرَ الْآيَةِ. قَالَ: وَجَاءَ أَمْرٌ أَجْمَعُ مِنْ هَذَا {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} قَالَ: فَذَاكَ خَاصٌّ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِتَابًا مِنَ اللَّهِ لَهُ (و) اذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ {إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} بِالْهِدَايَةِ {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بِالْعِتْقِ، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} وَذَلِكَ أَنْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ فِيمَا ذُكِرَ رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبَتْهُ، وَهِيَ فِي حِبَالِ مَوْلَاهُ، فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِ زَيْدٍ كَرَاهَتُهَا لِمَا عَلِمَ اللَّهُ مِمَّا وَقَعَ فِي نَفْسِ نَبِيِّهِ مَا وَقَعَ، فَأَرَادَ فِرَاقَهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ لِيَنْكِحَهَا (وَاتَّقِ اللَّهَ) وَخَفِ اللَّهَ فِي الْوَاجِبِ لَهُ عَلَيْكَ فِي زَوْجَتِكَ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} يَقُولُ: وَتُخْفِي فِي نَفْسِك مَحَبَّةَ فِرَاقِهِ إِيَّاهَا لِتَتَزَوَّجَهَا إِنْ هُوَ فَارَقَهَا، وَاللَّهُ مُبْدٍ مَا تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مِنْ ذَلِكَ {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَخَافُ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَنَكَحَهَا حِينَ طَلَّقَهَا، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ مِنَ النَّاسِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} وَهُوَ زَيْدٌ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} أَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} قَالَ: وَكَانَ يُخْفِي فِي نَفْسِهِ وِدَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا. قَالَ الْحَسَنُ: مَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ آيَةٌ كَانْت أَشُدَّ عَلَيْهِ مِنْهَا؛ قَوْلُهُ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} وَلَوْ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لِكَتَمَهَا {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} قَالَ: خَشِيَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةَ النَّاسِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ زَوَّجَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَزَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، ابْنَةَ عَمَّتِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يُرِيدُهُ وَعَلَى الْبَابِ سَتْرٌ مِنْ شَعْرٍ، فَرَفَعَتِ الرِّيحُ السِّتْرَ فَانْكَشَفَ، وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا حَاسِرَةٌ، فَوَقَعَ إِعْجَابُهَا فِي قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ كُرِهَتْ إِلَى الْآخَرِ، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُفَارِقَ صَاحِبَتِي، قَالَ: مَا ذَاكَ، أَرَابَكَ مِنْهَا شَيْءٌ؟ "قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَابَنِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا رَأَيْتُ إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، » فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} تُخْفِي فِي نَفْسِكَ إِنْ فَارَقَهَا تَزَوَّجْتَهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْجُرَشِيُّ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} فِيزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: «كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَمَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّزَيْنَبَسَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ زَيْدٌ يَشْكُوهَا، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، قَالَ اللَّهُ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}». حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: لَوْ كَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لِكَتَمَ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}. وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا قَضَى زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْزَيْنَبَحَاجَتَهُ، وَهِيَ الْوَطَرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَدَّعَنِي قَبْلَ أَنْ أُوَدِّعَهُ *** لمَّا قَضَى مِـنْ شَبَابِنَا وَطَرَا {زَوَّجْنَاكَهَا} يَقُولُ: زَوَّجْنَاكَزَيْنَبَبَعْدَ مَا طَلَّقَهَا زَيْدٌ وَبَانَتْ مِنْهُ؛ {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} يَعْنِي: فِي نِكَاحِ نِسَاءِ مَنْ تَبَنَّوْا وَلَيْسُوا بِبَنِيهِمْ وَلَا أَوْلَادِهِمْ عَلَى صِحَّةٍ إِذَا هُمْ طَلَّقُوهُنَّ وَبِنَّ مِنْهُمْ {إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} يَقُولُ: إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ حَاجَاتِهِمْ وَآرَابَهُمْ، وَفَارَقُوهُنَّ وَحَلَلْنَ لِغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نُزُولًا مِنْهُمْ لَهُمْ عَنْهُنَّ {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} يَقُولُ: وَكَانَ مَا قَضَى اللَّهُ مِنْ قَضَاءٍ مَفْعُولًا أَيْ: كَائِنًا كَانَ لَا مَحَالَةَ. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ فِيزَيْنَبَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَاضِيًا مَفْعُولًا كَائِنًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} يَقُولُ: إِذَا طَلَّقُوهُنَّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} إِلَى قَوْلِهِ {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرَ نَازِلٍ لَكَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عِرْفَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ. قَالَ: تَفَاخَرَتْ عَائِشَة وَزَيْنَبُ، قَالَ: فَقَالَتْزَيْنَبُ: أَنَا الَّذِي نَزَلَ تَزْوِيجِي. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «كَانَتْزَيْنَبُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَدِلُّ عَلَيْكَ بِثَلَاثٍ مَا مِنْ نِسَائِكَ امْرَأَةٌ تَدِلُّ بِهِنَّ؛ إِنَّ جَدِّي وَجَدُّكَ وَاحِدٌ، وَإِنِّي أَنْكَحَنِيكَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِنَّ السَّفِيرَ لَجِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ: مِنْ إِثْمٍ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ نِكَاحِ امْرَأَةِ مَنْ تَبَنَّاهُ بَعْدَ فِرَاقِهِ إِيَّاهَا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ}: أَيْ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ. وَقَوْلُهُ: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} يَقُولُ: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى لِيُؤْثِمَ نَبِيَّهُ فِيمَا أَحَلَّ لَهُ مِثَالَ فِعْلِهِ بِمَنْ قَبِلَهُ مِنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُؤْثِمْهُمْ بِمَا أَحَلَّ لَهُمْ، لَمْ يَكُنْ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَخْشَى النَّاسَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ أَوْ أَحَلَّهُ لَهُ، وَنُصِبَ قَوْلُهُ (سُنَّةَ اللَّهِ) عَلَى مَعْنَى: حَقًّا مِنَ اللَّهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَعَلْنَا ذَلِكَ سَنَةً مِنَّا. وَقَوْلُهُ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} يَقُولُ: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَضَاءً مَقْضِيًّا. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}: إِنْ اللَّهَ كَانَ عِلْمُهُ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا، فَأَتَمَّ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا، وَيَأْمُرَهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، وَيَجْعَلَ ثَوَابًا لِأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَعِقَابًا لِأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، فَلَمَّا ائْتَمَرَ ذَلِكَ الْأَمْرَ قَدَّرَهُ، فَلَمَّا قَدَّرَهُ كَتَبَ وَغَابَ عَلَيْهِ؛ فَسَمَّاهُ الْغَيْبَ وَأُمَّ الْكِتَابِ، وَخَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ أَرْزَاقَهُمْ وَآجَالَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ، وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِنَ الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ أَنَّهُ يُصِيبُهُمْ، وَقَرَأَ {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا} نَفِدَ ذَلِكَ {جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} وَأَمْرُ اللَّهِ الَّذِي ائْتَمَرَ قَدَّرَهُ حِينَ قَدَّرَهُ مُقَدَّرًا، فَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا فِي ذَلِكَ، وَمَا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَفِي ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، ائْتَمِرَ أَمْرًا ثُمَّ قَدَّرَهُ، ثُمَّ خَلَقَ عَلَيْهِ فَقَالَ: كَانَ أَمْرُ اللَّهِ الَّذِي مَضَى وَفَرَغَ مِنْهُ، وَخَلَقَ عَلَيْهِ الْخَلْقَ {قَدَرًا مَقْدُورًا} شَاءَ أَمْرًا لِيَمْضِيَ بِهِ أَمْرُهُ وَقَدْرُهُ، وَشَاءَ أَمْرًا يَرْضَاهُ مِنْ عِبَادِهِ فِي طَاعَتِهِ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ الَّذِي شَاءَ مِنْ طَاعَتِهِ لِعِبَادِهِ رَضِيَهُ لَهُمْ، وَلَمَّا أَنْ كَانَ الَّذِي شَاءَ أَرَادَ أَنْ يَنْفُذَ فِيهِ أَمْرُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَقَدَّرَهُ، وَقَرَأَ {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} فَشَاءَ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَشَاءَ أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} وَقَالَ {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} هَذِهِ أَعْمَالُ أَهْلِ النَّارِِ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} قَالَ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ} إِلَى قَوْلِهِ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} وَقَرَأَ {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} إِلَى {كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أَنْ يُؤْمِنُوا بِذَلِكَ، قَالَ: فَأَخْرَجُوهُ مِنِ اسْمِهِ الَّذِي تَسَمَّى بِهِ، قَالَ: هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ مَا أَرَادَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سُنَّةُ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الرُّسُلِ، الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ، وَيَخَافُونَ اللَّهَ فِي تَرْكِهِمْ تَبْلِيغَ ذَلِكَ إِيَّاهُمْ، وَلَا يَخَافُونَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، فَإِنَّهُمْ إِيَّاهُ يَرْهَبُونَ إِنْ هُمْ قَصَّرُوا عَنْ تَبْلِيغِهِمْ رِسَالَةَ اللَّهِ إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ. يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ: فَمِنْ أُولَئِكَ الرُّسُلِ الَّذِينَ هَذِهِ صَفَتُهُمْ فَكُنْ، وَلَا تَخْشَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَمْنَعُكَ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَلَا يَمْنَعُكَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ مِنْهُ، إِنْ أَرَادَ بِكَ سُوءًا، وَالَّذِينَ مِنْ قَوْلِهِ {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ} خُفِضَ رَدًّا عَلَى الَّذِينَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا}. وَقَوْلُهُ {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَفَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِاللَّهِ حَافِظًا لِأَعْمَالِ خَلْقِهِ، وَمُحَاسِبًا لَهُمْ عَلَيْهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا كَانَ أَيُّهَا النَّاسُ مُحَمَّدٌ أَبَا زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَلَا أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمُ الَّذِينَ لَمَّ يَلِدْهُ مُحَمَّدٌ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ بَعْدَ فِرَاقِهِ إِيَّاهَا، وَلَكِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، الَّذِي خَتَمَ النُّبُوَّةَ فَطَبَعَ عَلَيْهَا، فَلَا تُفْتَحُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَمَقَالِكُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ ذَا عِلْمٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي زَيْدٍ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِابْنِهِ، وَلَعَمْرِي وَلَقَدْ وُلِدَ لَهُ ذُكُورٌ؛ إِنَّهُ لَأَبُو الْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمُ وَالطَّيِّبُ وَالْمُطَهَّرُ {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} أَيْ: آخِرُهُمْ {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي قَوْلِهِ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَالنَّصْبُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى تَكْرِيرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرَّفْعُ بِمَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ؛ وَلَكِنْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، وَالْقِرَاءَةُ النَّصْبُ عِنْدَنَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ سِوَى الْحَسَنِ وَعَاصِمٍ بِكَسْرِ التَّاءِ مِنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ خَتَمَ النَّبِيِّينَ. ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ (وَلَكِنَّ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبِيِّينَ) فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِكَسْرِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ الَّذِي خَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ، وَقَرَأَ ذَلِكَ فِيمَا يُذْكَرُ الْحَسَنُ وَعَاصِمٌ {خَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ آخِرُ النَّبِيِّينَ، كَمَا قَرَأَ (مَخْتُومٍ خَاتَمَهُ مِسْكٌ) بِمَعْنَى: آخِرُهُ مَسْكٌ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ اذْكُرُوا اللَّهَ بِقُلُوبِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَجَوَارِحِكُمْ ذِكْرًا كَثِيرًا، فَلَا تَخْلُو أَبْدَانُكُمْ مِنْ ذِكْرِهِ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ طَاقَتِكُمْ ذَلِكَ {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} يَقُولُ: صَلَّوْا لَهُ غُدْوَةً صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَعَشِيًّا صَلَاةَ الْعَصْرِ. وَقَوْلُهُ {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: رَبُّكُمُ الَّذِي تَذْكُرُونَهُ الذِّكْرَ الْكَثِيرَ وَتُسَبِّحُونَهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، الَّذِي يَرْحَمُكُمْ، وَيُثْنِي عَلَيْكُمْ هُوَ وَيَدْعُو لَكُمْ مَلَائِكَتَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}: يُشِيعُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ فِي عِبَادِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يَقُولُ: تَدْعُو مَلَائِكَةَ اللَّهِ لَكُمْ؛ فَيُخْرِجُكُمُ اللَّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} يَقُولُ: لَا يَفْرِضُ عَلَى عِبَادِهِ فَرِيضَةً إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، ثُمَّ عَذَرَ أَهْلَهَا فِي حَالِ عُذْرٍِ غَيْرِ الذِّكْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ وَلَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فِي تَرْكِهِ إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، قَالَ {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَفِي السَفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالسَّقَمِ وَالصِّحَّةِ، وَالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؛ صَلَّى عَلَيْكُمْ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَصَلَاةَ الْعَصْرِِ. وَقَوْلُهُ {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أَيْ: مِنَ الضَّلَالَاتِ إِلَى الْهُدَى. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} قَالَ: مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، قَالَ: وَالضَّلَالَةُ: الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ: الْهُدَى. وَقَوْلُهُ {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَرَسُولِهِ ذَا رَحْمَةٍ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُطِيعُونَ، وَلِأَمْرِهِ مُتَّبِعُونَ {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: تَحِيَّةُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ سَلَامٌ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَنَةٌ لَنَا وَلَكُمْ بِدُخُولِنَا هَذَا الْمَدْخَلَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعَذِّبَنَا بِالنَّارِ أَبَدًا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلَهُ {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} قَالَ: تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلَامُ. وَقَوْلُهُ: {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} يَقُولُ: وَأَعَدَّ لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ثَوَابًا لَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا، كَرِيمًا، وَذَلِكَ هُوَ الْجَنَّةُ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} أَيْ: الْجَنَّةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا) عَلَى أُمَّتِكَ بِإِبْلَاغِكَ إِيَّاهُمْ مَا أَرْسَلْنَاكَ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ، وَمُبَشِّرُهُمْ بِالْجَنَّةِ إِنْ صَدَّقُوكَ وَعَمِلُوا بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، (وَنَذِيرًا) مِنَ النَّارِ أَنْ يُدْخِلُوهَا، فَيُعَذَّبُوا بِهَا إِنْ هُمْ كَذَّبُوكَ، وَخَالَفُوا مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} عَلَى أُمَّتِكَ بِالْبَلَاغِ (وَمُبَشِّرًا) بِالْجَنَّةِ (وَنَذِيرًا) بِالنَّارِ. وَقَوْلُهُ: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ) يَقُولُ: وَدَاعِيًا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَإِفْرَادِ الْأُلُوهَةِ لَهُ، وَإِخْلَاصِ الطَّاعَةِ لِوَجْهِهِ دُونَ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ) إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَوْلُهُ (بِإِذْنِهِ) يَقُولُ: بِأَمْرِهِ إِيَّاكَ بِذَلِكَ (وَسِرَاجًا مُنِيرًا) يَقُولُ: وَضِيَاءً لِخَلْقِهِ يَسْتَضِيءُ بِالنُّورِ الَّذِي أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عِبَادُهُ (مُنِيرًا) يَقُولُ: ضِيَاءٌ يُنِيرُ لِمَنْ اسْتَضَاءَ بِضَوْئِهِ، وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّهُ يَهْدِي بِهِ مَنْ اتَّبَعَهُ مَنْ أَمَّتِهِ. وَقَوْلُهُ {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبَشَّرْ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا: يَقُولُ: بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ تَضْعِيفًا كَثِيرًا، وَذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ، وَقَوْلُهُ {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} يَقُولُ: وَلَا تُطِعْ لِقَوْلِ كَافِرٍ وَلَا مُنَافِقٍ؛ فَتَسْمَعُ مِنْهُ دُعَاءَهُ إِيَّاكَ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَى مَنْ أَرْسَلَكَ بِهَا إِلَيْهِ مَنْ خَلْقِهِ (وَدَعْ أَذَاهُمْ) يَقُولُ: وَأَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ لَكَ، وَاصْبِرْ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُكَ ذَلِكَ عَنِ الْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَالنُّفُوذِ لِمَا كَلَّفَكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (وَدَعْ أَذَاهُمْ) قَالَ: أَعْرِضْ عَنْهُمْ. حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (وَدَعْ أَذَاهُمْ) أَيِ: اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَتَوَّكْل عَلَى اللَّهِ) يَقُولُ: وَفَوِّضْ إِلَى اللَّهِ أُمُورَكَ، وَثِقْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ كَافِيكَ جَمِيعَ مَنْ دَونَهُ، حَتَّى يَأْتِيَكَ بِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) يَقُولُ: وَحَسْبُكَ بِاللَّهِ قَيِّمًا بِأُمُورِكَ، وَحَافِظًا لَكَ وَكَالِئًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَافَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} يَعْنِي: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُجَامِعُوهُنَّ {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} يَعْنِي مِنْ إِحْصَاءِ أَقَرَاءٍ، وَلَا أَشْهَرٍ تُحْصُونَهَا عَلَيْهِنَّ؛ (فَمَتِّعُوهُنَّ) يَقُولُ: أَعْطَوْهُنَّ مَا يَسْتَمْتِعْنَ بِهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ عَيْنِ مَالٍِ. وَقَوْلُهُ (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) يَقُولُ: وَخَلُّوًّا سَبِيلَهُنَّ تَخْلِيَةً بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ التَّسْرِيحُ الْجَمِيلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فَهَذَا فِيالرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ يُطلِّقُهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَسَّهَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَانَتْ مِنْهُ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ، ثُمَّ قَرَأَ {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} يَقُولُ: إِنْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا، فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا النِّصْفُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا، مَتَّعَهَا عَلَى قَدْرِ عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ، وَهُوَ السَّرَاحُ الْجَمِيلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُتْعَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ).
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إِلَى قَوْلِهِ (سَرَاحًا جَمِيلًا) قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: ثُمَّ نَسَخَ هَذَا الْحَرْفُ الْمُتْعَةَ {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} يَعْنِي: اللَّاتِي تَزَوَّجْتَهُنَّ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) قَالَ: صَدَقَاتَهُنَّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} قَالَ: كَانَ كُلُّ امْرَأَةٍ آتَاهَا مَهْرًا فَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ مَا شَاءَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا. وَقَوْلُهُ {أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} يَقُولُ: وَأَحْلَلْنَا لَكَ إِمَاءَكَ اللَّوَاتِي سَبَيْتَهُنَّ، فَمَلَكْتَهُنَّ بِالسِّبَاءِ، وَصِرْنَ لَك بِفَتْحِ اللَّهِ عَلَيْكَ مِنَ الْفَيْءِ {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَعَمَّاتِهِ وَخَالِهِ وَخَالَاتِهِ، الْمُهَاجِرَاتِ مَعَهُ مِنْهُنَّ دُونَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ مِنْهُنَّ مَعَهُ. كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْأُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: خَطَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَذَرْتُ لَهُ بِعُذْرِي، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ (اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) قَالَتْ: فَلَمْ أُحِلَِّ لَهُ؛ لَمْ أُهَاجِرْ مَعَهُ، كُنْتُ مِنَ الطُّلَقَاءِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ وَالَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) بِوَاوٍ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَتِهِ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قِرَاءَتِنَا بِغَيْرِ الْوَاوِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُدْخِلُ الْوَاوَ فِي نَعْتِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَحْيَانًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فـإنَّ رُشَـيْدًا وَابْـنَ مَـرَوَانَ لَمْ يَكُنْ *** لِيَفْعَـلَ حَـتَّى يَصْـدُرَ الأمْـرُ مَصْدَرَا وَرُشَيْدٌ هُوَ ابْنُ مَرْوَانَ، وَكَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ يَتَأَوَّلُ قِرَاءَةَ عَبْدِ اللَّهِ هَذِهِ أَنَّهُنَّ نَوْعٌ غَيْرُ بَنَاتِ خَالَاتِهِ وَأَنَّهُنَّ كُلُّ مُهَاجَرَةٍ هَاجَرَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْهُ بِذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَالَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) يَعْنِي بِذَلِكَ: كُلُّ شَيْءٍ هَاجَرَ مَعَهُ لَيْسَ مِنْ بَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَلَا مِنْ بَنَاتِ الْخَالِ وَالْخَالَةِ. وَقَوْلُهُ {وَامْرَأَةٌ مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} يَقُولُ: وَأَحْلَلْنَا لَهُ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} بِغَيْرِ صَدَاقٍ، فَلَمْ يَكُنْ يُفْعَلُ ذَلِكَ وَأَحِلُّ لَهُ خَاصَّةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) بِغَيْرِ "إِنْ"، وَمَعْنَى ذَلِكَ وَمَعْنَى قِرَاءَتِنَا وَفِيهَا "إِنْ" وَاحِدٌ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْكَلَامِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً مَمْلُوكَةً إِنْ مِلْكَهَا، وَجَارِيَةً مَمْلُوكَةً مَلَكَهَا. وَقَوْلُهُ (إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا) يَقُولُ: إِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَهَا فَحَلَالٌ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَإِذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ (خَالِصَةً لَكَ) يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِكَ أَنْ يُقَرِّبَ امْرَأَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ خَالِصَةً أَخْلَصَتْ لَكَ مِنْ دُونٍ سَائِرِ أُمَّتِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يَقُولُ: لَيْسَ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيٍّ وَلَا مَهْرٍ، إِلَّا لِلنَّبِيِّ، كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِأَنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ...) إِلَى قَوْلِهِ (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ: كَانَ كُلُّ امْرَأَةٍ آتَاهَا مَهْرًا فَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُ إِلَى أَنْ وَهَبَ هَؤُلَاءِ أَنْفُسَهُنَّ لَهُ، فَأَحْلَلْنَ لَهُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِغَيْرِ مَهْرٍ خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ امْرَأَةٍ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ، قَالَ: لَا يَكُونُ، لَا تَحِلُّ لَهُ، إِنَّمَا كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ (إِنْ وَهَبَتْ) بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى وَجْهِ الْجَزَاءِ، بِمَعْنَى: إِنْ تَهَبْ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ: (إِنْ وَهَبَتْ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: وَأَحْلَلْنَا لَهُ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً أَنْ يَنْكِحَهَا؛ لِهِبَتِهَا لَهُ نَفْسَهَا. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتُجِيزُ خِلَافَهَا فِي كَسْرِ الْأَلِفِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَذُكِرَ أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّ النِّسَاءِ شَاءَ، فَقَصَرَهُ اللَّهُ عَلَى هَؤُلَاءِ، فَلَمْ يَعْدُهُنَّ، وَقَصَرَ سَائِرَ أُمَّتِهِ عَلَى مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ زِيَادٍ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الَّتِي أَحَلَّ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ مِنَ النِّسَاءِ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي ذَكَرَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ (فِي أَزْوَاجِهِمْ) وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُثَنَّى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ النِّسَاءِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَنْكِحُ فِي أَيِّ النِّسَاءِ شَاءَ، لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَكَانَ نِسَاؤُهُ يَجِدْنَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا أَنْ يَنْكِحَ فِي أَيِّ النَّاسِ أَحَبُّ؛ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْكَ مِنَ النَّاسِ سِوَى مَا قَصَصْتُ عَلَيْكَ، أَعْجَبَ ذَلِكَ نِسَاءَهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَهَلْ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً كَذَلِكَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً إِلَّا بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ مَلِكِ يَمِينٍ، فَأَمَّا بِالْهِبَةِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ أَحَدٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً وَهْبتْ نَفْسَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} قَالَ: أَنْ تَهَبَ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: قَدْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: كَانَتْمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَأُمُّ شَرِيكٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} قَالَ: هِيَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أَمُّ الْمَسَاكِينَامْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: ثَنْي الْحَكَمُ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَسْأَلُهُمْ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلَيٌّ، قَالَ شُعْبَةُ: وَهُوَ ظَنِّي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ أَبَانُ بْنُ تَغْلَبَ، عَنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ، قَالَ: هِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَسَدِ يُقَالُ لَهَاأُمُّ شَرِيكٍ، وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ. قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارَ، وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ، وَهِيَ مِمَّنْ أَرْجَأَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْخَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ الْأَوْقَصِمِنْ بَنِي سَلِيمٍ، كَانَتْ مِنَ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنْأُمَّ شَرِيكٍكَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ. وَقَوْلُهُ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجِهِمْ إِذَا أَرَادُوا نِكَاحَهُنَّ مِمَّا لَمَّ نَفْرِضْهُ عَلَيْكَ، وَمَا خَصَصْنَاهُمْ بِهِ مِنَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ دُونَكَ وَهُوَ أَنَّا فَرْضْنَا عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا يُحِلُّ لَهُمْ عَقْدُ نِكَاحٍ عَلَى حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ إِلَّا بِوَلِيِّ عُصْبَةٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ، قَالَ: ثَنَا مُطَهِّرٌ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} قَالَ: إِنَّ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيِّ وَشَاهِدَيْنِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} قَالَ: فِي الْأَرْبَعِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} قَالَ: كَانَ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا تُزَوَّجَ امْرَأَةٌ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ عِنْدَ شَاهِدَي عَدْلٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا أَرْبَعٌ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ. وَقَوْلُهُ: (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، فَإِنَّ جَمِيعَهُنَّ إِذَا كُنَّ مُؤْمِنَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ، لَهُمْ حَلَالٌ بِالسِّبَاءِ وَالتَّسَرِّي وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمُلْكِ. وَقَوْلُهُ {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ أَزْوَاجَكَ اللَّوَاتِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ، إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا؛ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ إِثْمٌ وَضِيقٌ فِي نِكَاحِ مَنْ نَكَحْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الَّتِي أَبَحْتُ لَكَ نِكَاحَهُنَّ مِنَ الْمُسَمَّيَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا لَكَ وَلِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِكَ، رَحِيمًا بِكَ وَبِهِمْ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى سَالِفِ ذَنْبٍ مِنْهُمْ سَلَفَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنْهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ}فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِقَوْلِهِ: تَرْجِي: تُؤَخِّرُ، وَبِقَوْلِهِ: تُؤْوِي: تَضُمُّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) يَقُولُ: تُؤَخِّرُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) قَالَ: تَعْزِلُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِنْ أَزْوَاجِكَ مَنْ تَشَاءُ (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) قَالَ: تَرُدُّهَا إِلَيْكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} قَالَ: فَجَعَلَهُ اللَّهُ فِي حِلٍّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ، وَيَأْتِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قِسْمٍ، وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ يُقَسِّمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} قَالَ: لَمَّا أَشْفَقْنَ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ، قُلْنَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا مِنْ مَالِكَ وَنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، فَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَأَ مِنْهُنَّسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَجُوَيْرِيَّةُ وَصَفِيَّةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةُ، وَكَانَ مِمَّنْ آوَى إِلَيْهِ عَائِشَة وَأُمُّ سَلَمَةَ وَحَفْصَةُ وَزَيْنَبُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عَبِيدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} فَمَا شَاءَ صُنْعَ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ، أَحِلَّ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، «عَنْ أَبِي رَزِينٍ فِي قَوْلِهِ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} وَكَانَ مِمَّنْ آوَى إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: عَائِشَة وَحَفْصَةُ وَزَيْنَبُ وَأُمُّ سَلَمَةَ؛ فَكَانَ قِسْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَهُنَّ سِوَى قِسْمِهِ. وَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَى: سَوْدَةُ وَجُوَيْرِيَّةُ وَصَفِيَّةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةُ؛ فَكَانَ يُقَسَّمُ لَهُنَّ مَا شَاءَ، وَكَانَ أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُنَّ، فَقُلْنَ لَهُ: اقْسِمْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ مَا شِئْتَ، وَدَعْنَا نَكُونُ عَلَى حَالِنَا». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تُطَلِّقُ وَتُخَلِّي سَبِيلَ مَنْ شِئْتَ مِنْ نِسَائِكَ، وَتُمْسِكُ مَنْ شِئْتَ مِنْهُنَّ فَلَا تُطَلِّقُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) يَعْنِي: نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعْنِي بِالْإِرْجَاءِ: يَقُولُ: مَنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ سَبِيلَهُ مِنْهُنَّ. وَيَعْنِي بِالْإِيوَاءِ: يَقُولُ: مَنْ أَحْبَبْتَ أَمْسَكْتَ مِنْهُنَّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: تَتْرُكُ نِكَاحَ مَنْ شِئْتَ، وَتَنْكِحُ مَنْ شِئْتَ مِنْ نِسَاءِ أُمَّتِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ امْرَأَةً لَمْ يَكُنْ لِرَجُلٍ أَنْ يَخْطُبَهَا حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا أَوْ يَتْرُكَهَا. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ حِينَ غَارَ بَعْضُهُنَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ مِنَ النَّفَقَةِ زِيَادَةٌ عَلَى الَّذِي كَانَ يُعْطِيهَا، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدَّارِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ مَنْ اخْتَارَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزَيْنَتَهَا، وَيُمْسِكُ مَنِ اخْتَارَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَلَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قِيلَ لَهُنَّ: اقْرَرْنَ الْآنَ عَلَى الرِّضَا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ؛ قَسَمَ لَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يُقَسِّمْ، أَوْ قَسَمَ لِبَعْضِكُنَّ وَلَمْ يُقَسَّمْ لِبَعْضِكُنَّ، وَفَضَّلَ بَعْضَكُنَّ عَلَى بَعْضٍ فِي النَّفَقَةِ أَوْ لَمْ يُفَضِّلْ، سَوَّى بَيْنَكُنَّ أَوْ لَمْ يُسَوِّ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ مَعَ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسَمِ، إِلَّا امْرَأَةً مِنْهُنَّ أَرَادَ طَلَاقَهَا فَرَضِيَتْ بِتَرْكِ الْقَسْمِ لَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقَ أَزْوَاجَهُ، قُلْنَ لَهُ: افْرِضْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ وَمَالِكَ مَا شِئْتَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ فَآوَى أَرْبَعًا، وَأُرْجِيَ خَمْسًا. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة أنَّهَا قَالَتْ: أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} فَقُلْتُ: إِنَّ رَبَّكِ لِيُسَارِعُ فِي هَوَاكِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ؛ يَعْنِي الْعَبْدِيَّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة أنَّهَا كَانَتْ تُعَيِّرُ النِّسَاءَ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ: أَمَا تَسْتَحِي امْرَأَةٌ أَنْ تَعْرِضَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، فَنَزَلَتْ، أَوْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} فَقُلْتُ: إِنِّي لِأَرَى رَبَّكِ يُسَارِعُ لَكِ فِي هَوَاكِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} الْآيَةَ. قَالَ: كَانَ أَزْوَاجُهُ قَدْ تَغَايَرْنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَهُنَّ شَهْرًا، ثُمَّ نَزَلَ التَّخْيِيرُ مِنَ اللَّهِ لَهُ فِيهِنَّ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَخْتَرْنَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُنَّ وَيُسَرِّحَهُنَّ، وَبَيْنَ أَنْ يُقِمْنَ إِنْ أَرَدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يَنْكِحْنَ أَبَدًا، وَعَلَى أَنَّهُ يُؤْوِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، وَيُرْجِي مَنْ يَشَاءُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، وَمَنِ ابْتَغَى مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَعَزَلَ فَلَا جَنَاحَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قَضَائِي عَلَيْهِنَّ إِيثَارُ بِعَضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ) يَرْضَيْنَ، قَالَ (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ) مَنِ ابْتَغَى أَصَابَهُ، وَمَنْ عَزَلَ لَمْ يُصِبْهُ، فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَرْضَيْنَ بِهَذَا، أَوْ يُفَارِقَهُنَّ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً بَدَوِيَّةً ذَهَبَتْ، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ لَهُ هَذَا الشَّرْطَ، مَا زَالَ يَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ لِنَبِيِّهِ أَنْ يُرْجِيَ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي أَحَلَّهُنَّ لَهُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُؤْوِي إِلَيْهِ مِنْهُنَّ مَنْ يَشَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُرْ مَعْنَى الْإِرْجَاءِ وَالْإِيوَاءِ عَلَى الْمَنْكُوحَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ فِي حِبَالِهِ عِنْدَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دُونَ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ يُسْتَحْدَثُ إِيوَاؤُهَا أَوْ إِرْجَاؤُهَا مِنْهُنَّ. إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: تُؤَخِّرُ مَنْ تَشَاءُ مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، وَأَحْلَلْتُ لَك نِكَاحَهَا، فَلَا تَقْبَلْهَا وَلَا تَنْكِحْهَا، أَوْ مِمَّنْ هُنَّ فِي حِبَالِكَ؛ فَلَا تُقَرِّبُهَا. وَتَضُمُّ إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ أَوْ أَرَدْتَ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي أَحْلَلْتُ لَكَ نِكَاحَهُنَّ؛ فَتَقْبَلُهَا أَوْ تَنْكِحُهَا، وَمِمَّنْ هِيَ فِي حِبَالِكَ؛ فَتُجَامِعُهَا إِذَا شِئْتَ وَتَتْرُكُهَا إِذَا شِئْتَ بِغَيْرِ قِسْمٍ. وَقَوْلُهُ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ وَمَنْ نَكَحْتَ مِنْ نِسَائِكَ فَجَامَعْتَ مِمَّنْ لَمَّ تَنْكِحْ، فَعَزَلَتْهُ عَنِ الْجِمَاعِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قَالَ: جَمِيعًا هَذِهِ فِي نِسَائِهِ؛ إِنْ شَاءَ أَتَى مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَلَا جَنَاحَ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ) قَالَ: وَمَنْ ابْتَغَى أَصَابَهُ، وَمَنْ عَزَلَ لَمْ يُصِبْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ اسْتَبْدَلْتَ مِمَّنْ أُرْجِيتَ، فَخَلَّيْتَ سَبِيلَهُ مِنْ نِسَائِكَ، أَوْ مِمَّنْ مَاتَ مِنْهُنَّ مِمَّنْ أَحْلَلْتُ لَكَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} يَعْنِي بِذَلِكَ: النِّسَاءُ اللَّاتِي أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ بَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ (اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) يَقُولُ: إِنْ مَاتَ مِنْ نِسَائِكَ اللَّاتِي عِنْدَكَ أَحَدٌ، أَوْ خَلَّيْتَ سَبِيلَهُ، فَقَدْ أَحْلَلْتُ لَكَ أَنْ تَسْتَبْدِلَ مِنَ اللَّاتِي أَحْلَلْتُ لَكَ مَكَانَ مَنْ مَاتَ مِنْ نِسَائِكَ اللَّاتِي هُنَّ عِنْدَكَ، أَوْ خَلَّيْتَ سَبِيلَهُ مِنْهُنَّ، وَلَا يَصْلُحُ لَكَ أَنْ تَزْدَادَ عَلَى عِدَّةِ نِسَائِكَ اللَّاتِي عِنْدَكَ شَيْئًا. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ: تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ ابْتَغَيْتَ إِصَابَتَهُ مِنْ نِسَائِكَ (مِمَّنْ عَزَلْتَ) عَنْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِأَنَّ تَقَرُّ أَعْيُنُهُنَّ إِذَا هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَبْدَلَ بِالْمَيِّتَةِ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُنَّ، إِلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِذَلِكَ: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنَ الْمَنْكُوحَةِ مِنْهُنَّ، وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ بَعِيدٌ. وَقَوْلُهُ (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ) يَقُولُ: هَذَا الَّذِي جَعَلْتُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ إِذْنِي لَكَ أَنْ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي جَعَلْتُ لَكَ إِرْجَاءَهُنَّ، وَتُؤْوِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ، وَوَضْعِي عَنْكَ الْحَرَجَ فِي ابْتِغَائِكَ إِصَابَةَ مَنِ ابْتَغَيْتَ إِصَابَتَهُ مِنْ نِسَائِكَ، وَعَزْلِكَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ عَزَلَتْ مِنْهُنَّ، أَقْرَبُ لِنِسَائِكَ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ بِهِ وَلَا يَحْزَنَّ، وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ مِنْ تَفْضِيلِ مَنْ فَضَّلْتَ مِنْ قِسْمٍ، أَوْ نَفَقَةٍ وَإِيثَارِ مَنْ آثَرْتَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ نِسَائِكَ، إِذَا هُنَّ عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ رِضَايَ مِنْكَ بِذَلِكَ، وَإِذْنِي لَكَ بِهِ، وَإِطْلَاقٌ مِنِّي لَا مِنْ قَبَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} إِذَا عَلِمْنَ أَنَّ هَذَا جَاءَ مِنَ اللَّهِ لِرُخْصَةٍ، كَانَ أَطْيَبُ لِأَنْفُسِهِنَّ، وَأَقَلُّ لِحُزْنِهِنَّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ، نَحْوَهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي قَوْلِهِ (بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) الرَّفْعُ غَيْرُ جَائِزٍِ غَيْرُهُ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنْ كُلَّهُنَّ لَيْسَ بِنَعْتٍ لِلْهَاءِ فِي قَوْلِهِ (آتَيْتَهُنَّ)، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَرْضَيْنَ كُلُّهُنَّ، فَإِنَّمَا هُوَ تَوْكِيدٌ لِمَا فِي يَرْضَيْنَ مِنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ، وَإِذَا جُعِلَ تَوْكِيدًا لِلْهَاءِ الَّتِي فِي آتَيْتَهُنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنَى، وَالْقِرَاءَةُ بِنَصْبِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ لِذَلِكَ، وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَخْطِئَةِ قَارِئِهِ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) يَقُولُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ مِنْ مَيْلِهَا إِلَى بَعْضٍ مِنْ عِنْدِهِ مِنَ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ بِالْهَوَى وَالْمَحَبَّةِ، يَقُولُ: فَلِذَلِكَ وَضَعَ عَنْكَ الْحَرَجَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَا وَضَعَ عَنْكَ مِنِ ابْتِغَاءِ مَنْ ابْتَغَيْتَ مِنْهُنَّ، مِمَّنْ عَزَلْتَ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ وَتَكْرِمَةً (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا) يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ ذَا عِلْمٍ بِأَعْمَالِ عِبَادِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا (حَلِيمًا) يَقُولُ: ذَا حُلْمٍ عَلَى عِبَادِهِ، أَنْ يُعَاجِلَ أَهْلَ الذُّنُوبِ مِنْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَلَكِنَّهُ ذُو حِلْمٍ وَأَنَاةٍِ عَنْهُمْ لِيَتُوبَ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ، وَيُنِيبَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَنْ أَنَابَ مِنْهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ رَقِيبًا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ)فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ نِسَائِكَ اللَّاتِي خَيَّرْتَهُنَّ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ...) الْآيَةَ إِلَى (رَقِيبًا) قَالَ: نُهِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ نِسَائِهِ الْأُوَلِ شَيْئًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ...) إِلَى قَوْلِهِ (إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) قَالَ: لَمَّا خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ؛ فَقَالَ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} وَهُنَّ التِّسْعُ الَّتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ بَعْدَ الَّتِي أَحْلَلْنَا لَكَ بِقَوْلِنَا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} إِلَى قَوْلِهِ {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} وَكَأَنَّ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَجَّهُوا الْكَلَامَ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يَحِلُّ لَكَ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا الَّتِي أَحْلَلْنَاهَا لَكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ زِيَادٍ، قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: هَلْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ مَاتَ أَزْوَاجُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ؟ قَالَ: مَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) قَالَ: فَقَالَ: أُحِلَّ لَهُ ضَرْبًا مِنَ النِّسَاءِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِ مَا سِوَاهُنَّ، أُحِلَّ لَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ آتَى أَجْرَهَا، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَبَنَاتُ عَمِّهِ وَبَنَاتُ عَمَّاتِهِ وَبَنَاتُ خَالِهِ وَبَنَاتُ خَالَاتِهِ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَهُ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ زِيَادٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَانَ يُحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ؟ قَالَ: وَمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: قُلْتُ قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) قَالَ: إِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ ضَرْبًا مِنَ النِّسَاءِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ زِيَادٍ، رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّينَ، أَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ؟ وَرُبَّمَا قَالَ دَاوُدُ: وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) فَقَالَ: إِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ ضَرْبًا مِنَ النِّسَاءِ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ...) إِلَى قَوْلِهِ (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) ثُمَّ قِيلَ لَهُ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ). حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) قَالَ: أَمَرَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجُ أَعْرَابِيَّةً وَلَا غَرِيبَةًَ، وَيَتَزَوَّجُ بَعْدُ مِنْ نِسَاءِ تِهَامَةَ، وَمَنْ شَاءَ مِنْ بَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ إِنْ شَاءَ ثَلَاثَمِائَةٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) هَؤُلَاءِ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ إِلَّا (بَنَاتِ عَمِّكَ...) الْآيَةَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) يَعْنِي مِنْ بَعْدِ التَّسْمِيَةِ، يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لَكَ امْرَأَةٌ إِلَّا ابْنَةُ عَمٍّ أَوْ ابْنَةُ عَمَّةٍ أَوْ ابْنَةُ خَالٍ أَوْ ابْنَةُ خَالَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ هَاجَرَ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (والَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) يَعْنِي بِذَلِكَ: كُلُّ شَيْءٍ هَاجَرَ مَعَهُ لَيْسَ مِنْ بَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَلَا مِنْ بَنَاتِ الْخَالِ وَالْخَالَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءَ مِنْ غَيْرِ الْمُسَلَّمَاتِ، فَأَمَّا الْيَهُودِيَّاتُ وَالنَّصْرَانِيَّاتُ وَالْمُشْرِكَاتُ فَحَرَامٌ عَلَيْكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) لَا يَهُودِيَّةً وَلَا نَصْرَانِيَّةً وَلَا كَافِرَةً. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ بَعْدَ اللَّوَاتِي أَحْلَلْتُهُنَّ لَكَ بِقَوْلِي {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}. وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ) عَقِيبُ قَوْلِهِ (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَحْلَلْتُ لَكَ هَؤُلَاءِ وَلَا يُحَلَّلْنَ لَكَ إِلَّا بِنَسْخِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ وَقْتُ فَرْضِ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ، فَعَلَ الْأُخْرَى مِنْهُمَا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَا دَلَالَةَ وَلَا بُرْهَانَ عَلَى نَسْخِ حَكَمِ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ حُكْمَ الْأُخْرَى، وَلَا تَقَدَّمَ تَنْزَيلُ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، وَكَانَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ مَخْرَجَهُمَا عَلَى الصِّحَّةِ، لَمْ يُجِزْ أَنْ يُقَالَ: إِحْدَاهُمَا نَاسِخَةُ الْأُخْرَى. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ مِنْ بَعْدِ الْمُسْلِمَاتِ يَهُودِيَّةٌ وَلَا نَصْرَانِيَّةٌ وَلَا كَافِرَةٌ، مَعْنًى مَفْهُومٌ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ (مِنْ بَعْدُ) إِنَّمَا مَعْنَاهُ: مِنْ بَعْدِ الْمُسَمَّيَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرُهُنَّ فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدَّمِ فِيهَا ذِكْرُ الْمُسَمَّيَاتِ بِالتَّحْلِيلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرُ إِبَاحَةِ الْمُسْلِمَاتِ كُلِّهِنَّ، بَلْ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ وَمِلْكِ يَمِينِهِ الَّذِي يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَبَنَاتِ عَمِّهِ وَبَنَاتِ عَمَّاتِهِ، وَبَنَاتِ خَالِهِ وَبَنَاتِ خَالَاتِهِ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَهُ، وَامْرَأَةٍ مُؤْمِنَةٍ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ، فَتَكُونُ الْكَوَافِرُ مَخْصُوصَاتٌ بِالتَّحْرِيمِ، صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، دُونَ قَوْلِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا فِيهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ (يَحِلُّ) بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: لَا يَحِلُّ لَكَ شَيْءٌ مِنَ النِّسَاءِ بَعْدُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِِ (لَا تَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ) بِالتَّاءِ تَوْجِيهًا مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ فِعْلٌ لِلنِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ جَمْعٌ لِلْكَثِيرِ مِنْهُنَّ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ لَهُمْ، وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهَا، وَشُذُوذِ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلٍ ذَلِكَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ الْمُسْلِمَاتِ، لَا يَهُودِيَّةً وَلَا نَصْرَانِيَّةً وَلَا كَافِرَةً، وَلَا أَنْ تَبَدِّلَ بِالْمُسْلِمَاتِ غَيْرَهُنَّ مِنَ الْكَوَافِرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) وَلَا أَنْ تَبَدِّلَ بِالْمُسْلِمَاتِ غَيْرهنَّ مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ فِي قَوْلِهِ {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} قَالَ: لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ إِلَّا مَنْ سَبَيْتَ فَمَلَكَتْهُ يَمِينُكَ مِنْهُنَّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِأَزْوَاجِكَ اللَّوَاتِي هُنَّ فِي حِبَالِكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهُنَّ؛ بِأَنْ تُطَلِّقهُنَّ وَتَنْكِحَ غَيْرَهُنَّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} يَقُولُ: لَا يَصْلُحُ لَكَ أَنْ تُطَلِّقَ شَيْئًا مِنْ أَزْوَاجِكَ لَيْسَ يُعْجِبُكَ، فَلَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ ذَلِكَ لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا أَنْ تُبَادِلَ مِنْ أَزْوَاجِكَ غَيْرَكَ؛ بِأَنْ تُعْطِيَهُ زَوْجَتَكَ وَتَأْخُذَ زَوْجَتَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَادَلُونَ بِأَزْوَاجِهِمْ؛ يُعْطِي هَذَا امْرَأَتَهُ هَذَا وَيَأْخُذُ امْرَأَتَهُ؛ فَقَالَ {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} لَا بَأْسَ أَنْ تُبَادِلَ بِجَارِيَتِكَ مَا شِئْتَ أَنْ تُبَادِلَ، فَأَمَّا الْحَرَائِرُ فَلَا، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا أَنْ تُطَلِّقَ أَزْوَاجَكَ فَتَسْتَبْدِلَ بِهِنَّ غَيْرَهُنَّ أَزْوَاجًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا قَدْ بَيَّنَّنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الَّذِي قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) لَا يَحِلُّ لَكَ الْيَهُودِيَّةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْكَافِرَةُ، قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ) كَافِرَةً لَا مَعْنَى لَهُ، إِذْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ مَنْ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) الَّذِي دَلَّلْنَا عَلَيْهِ قَبْلُ. وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ والتَّنْزِيلُ: وَلَا أَنْ تَبَادَلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ، أَوْ وَلَا أَنْ تُبَدِّلَ بِهِنَّ بِضَمِّ التَّاءِ، وَلَكِنَّ الْقِرَاءَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا: وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: وَلَا أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِهِنَّ، مَعَ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي أُمَّةٍ نَعْلَمُهُ مِنَ الْأُمَمِ: أَنْ يُبَادِلَ الرَّجُلُ آخَرَ بِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ، فَيُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فِعْلِ مِثْلِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى نِسَائِهِ اللَّوَاتِي كُنَّ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ مُوَجَّهًا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ (وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) إِلَى مَا تَأَوَّلْتُ، أَوْ قَالَ: وَأَيْنَ ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ اللَّوَاتِي كُنَّ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَتَكُونُ الْهَاءُ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ) مِنْ ذِكْرِهِنَّ، وَتُوُهِّمَ أَنَّ الْهَاءَ فِي ذَلِكَ عَائِدَةٌ عَلَى النِّسَاءِ، فِي قَوْلِهِ (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ)؟ قِيلَ: قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي كَانَ اللَّهُ أَحَلَّهُنَّ لَهُ عَلَى نِسَائِهِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدَهُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَإِنَّمَا نُهَيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ بِطَلَاقٍ أَرَادَ بِهِ اسْتِبْدَالَ غَيْرِهَا بِهَا، لِإِعْجَابِ حُسْنِ الْمُسْتَبْدَلَةِ لَهُ بِهَا إِيَّاهُ إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَهُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالرِّضَا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَحَرُمْنَ عَلَى غَيْرِهِ بِذَلِكَ، وَمُنِعَ مِنْ فِرَاقِهِنَّ بِطَلَاقٍ، فَأَمَّا نِكَاحُ غَيْرِهِنَّ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، بَلْ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ نِسَاءَ أَهْلِ الْأَرْضِ». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ، تَعْنِي: أَهْلَ الْأَرْضِ. حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ. حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا مُعَلَّى، قَالَ: ثنا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ. حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَحْسَبُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ حَدَّثَنِي، قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ مَرَّةً، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ النِّسَاءَ». قَالَ: وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: شَهِدْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُهُ عَطَاءٌ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى نَبِيِّهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ طَلَاقَ نِسَائِهِ اللَّوَاتِي خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَهُ، فَمَا وَجْهُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَأَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَسَوْدَةَحَتَّى صَالَحَتْهُ عَلَى تَرْكِ طَلَاقِهِ إِيَّاهَا، وَوَهَبَتْ يَوْمَهَالِ عَائِشَة؟ قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ طَلَاقَهُنَّ، الرِّوَايَةُ الْوَارِدَةُ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ مُعَاقِبَهَا حِينَ اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، كَانَ مِنْ قِيلِهِ لَهَا: «قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَكِ، فَكَلَّمْتُهُ فَرَاجَعَكِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ طَلَّقَكِ، أَوْ لَوْ كَانَ طَلَّقَكِ لَا كَلَّمْتُهُ فِيكِ». وَذَلِكَ لَا شَكَّ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ التَّخْيِيرِ، لِأَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ إِنَّمَا نَزَلَتْ حِينَ انْقَضَى وَقْتُ يَمِينَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اعْتِزَالِهِنَّ. وَأَمَّا أَمْرُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ أَمْرَسَوْدَةَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَ نَبِيَّهُ بِتَخْيِيرِ نِسَائِهِ بَيْنَ فِرَاقِهِ وَالْمَقَامِ مَعَهُ عَلَى الرِّضَا بِأَنْ لَا قَسْمَ لَهُنَّ، وَأَنَّهُ يُرْجِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ، وَيُئْوِي مِنْهُنَّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُؤْثِرُ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى عَلَى تَرْكِهَا يَوْمَهَالِ عَائِشَة في حَالٍ لَا يَوْمَ لَهَا مِنْهُ. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَّا فِي حَالٍ كَانَ لَهَا مِنْهُ يَوْمٌ هُوَ لَهَا حَقٌّ كَانَ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَاؤُهُ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُنَّ بَعْدَ التَّخْيِيرِ لِمَا قَدْ وَصَفْتُ قَبْلُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَا يَحِلُّ لَكَ يَا مُحَمَّدُ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ اللَّوَاتِي أَحْلَلْتُهُنَّ لَكَ فِي الْآيَةِ قَبْلُ، وَلَا أَنْ تُطَلِّقَ نِسَاءَكَ اللَّوَاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَتَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُ مَنْ أَرَدْتَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِ مِنْهُنَّ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ (أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ) رَفْعًا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ، وَلَا الِاسْتِبْدَالُ بِأَزْوَاجِكَ، وَإِلَّا فِي قَوْلِهِ: (إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنَ النِّسَاءِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ اللَّوَاتِي أَحْلَلْتُهُنَّ لَكَ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِنَ الْإِمَاءِ، فَإِنَّ لَكَ أَنْ تَمْلِكَ مِنْ أَيِّ أَجْنَاسِ النَّاسِ شِئْتَ مِنَ الْإِمَاءِ. وَقَوْلُهُ {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ مَا أَحَلَّ لَكَ، وَحَرَّمَ عَلَيْكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، حَفِيظًا لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُ ذَلِكَ كُلِّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا}: أَيْ حَفِيظًا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
|